عن أسبوع الالام – البصخه المقدسة
لقداسة البابا شنودة الثالث
---------------------------------------------------------
أسبوع الآلام ، أو أسبوع البصخة
المقدسة ، هو أهم أيام السنة و أكثرها
روحانية . هو أسبوع مملوء بالذكريات المقدسة في أخطر مرحلة من مراحل الخلاص ، و
أهم فصل في قصه الفداء . وقد اختارت الكنيسة لهذا الأسبوع قراءات معينة من العهدين
القديم و الحديث ، كلها مشاعر و أحاسيس مؤثرة للغاية توضح علاقة الله بالبشر . كما
اختارت له مجموعة من الألحان العميقة ، ومن التأملات و التفاسير الروحية ..
-----------------------------
وقد كان آباؤنا القديسون في
عصور الكنيسة الأولي يلاقون هذا الأسبوع بكل هيبة و توقير ، و يسلكون فيه بنسك
شديد للغاية :
كانوا يمتنعون فيه عن أي طعام
حلو المذاق (( من الأطعمة الصيامية )) كالحلوى و العسل والمربي مثلاً ، لأنه لا
يليق بهم أن يأكلوا وهم يتذكرون آلام الرب من أجلهم . والبعض ما كانوا يطبخون في
هذا الأسبوع شيئاً علي الإطلاق ، بسبب النسك من جهة ، ولكي لا يشغلهم أعداد الطعام
عن العبادة من جهة أخري . و غالبية الناس ما كانوا يأكلون فيه سوي الخبز و الملح
. و القادرون منهم كانوا يطوون الأيام
صوماً ، وكانوا يمتنعون عن الطعام من عشية الجمعة إلي ساعة الإفطار في العيد . و
النسك في هذا الأسبوع كان يشمل الزينة أيضاً . و لذلك كان النساء فيه يمتنعن عن
التزين ، بل يمتنعن أيضاً عن لبس الحلي ..
----------------------------
و كان هذا الأسبوع مكرساً كله للعبادة
، يتفرغ فيه الناس من جميع أعمالهم ، و يجتمعون في الكنائس طوال الوقت للصلاة و
التأمل ..
كان الملوك و الأباطرة المسيحيون
يأمرون أن تتعطل دواوين الحكومة و مصالحها خلال هذا الأسبوع ليتفرغ الناس للعبادة
. بل كانوا يسمحون بخروج المحبوسين لكي يذهبوا هم أيضاً إلي الكنيسة و يشتركوا في
صلوات هذا الأسبوع العظيم لعل ذلك يكون تهذيباً لهم و إصلاحاً . وممن فعلوا ذلك
الإمبراطور ثيئودوسيوس الكبير . وكان السادة يمنحون عبيدهم عطلة طول أسبوع
البصخة ، فلا يشتغلون هم أيضاً
بل يعبدون الرب . وهكذا لا تكون روحيات السادة مبنية علي حرمان العبيد ، بل الكل
للرب ، يعبدونه معا و يتمتعون معا بعمق هذا الأسبوع و تأثيرة ..
طقس هذا الأسبوع ..........
والكنيسة المقدسة تركز كل
مشاعرها خلال أسبوع الآلام حول آلام المسيح فقط ، وليس أي موضوع آخر . حتي أنها
تلغي الصلاة بالمزامير خلال أيام البصخة هذه . لأن المزامير تحوي مواضيع كثيرة ، و
إشارتها إلي السيد المسيح ، تشمل ميلاده و خدمته و قيامته و صعوده و جلوسه عن يمين الآب و مجيئه الثاني في المجد
، بينما
--------------------------------------
نحن نريد أن نركز كل صلواتنا و
تأملاتنا حول موضوع واحد هو ألام المسيح .
و بدلا من الصلاة بالأخبية و
المزامير ، تصلي الكنيسة تسبحة خاصة بالبصخة ، تقول فيها للرب خلال آلامه عنا . ((
لك القوة و المجد و البركة و العزة إلي الآبد آمين يا عمانوئيل ألهنا وملكنا )) ((
لك القوة والمجد و البركة و العزة إلي الآبد آمين يا ربي يسوع المسيح )) (( لك
القوة و المجد والبركة و العزة إلي الآبد آمين )) . ثم تضيف عبارة (( مخلصي الصالح
)) إلي الفقرة الثانية و ذلك من ليلة الأربعاء لأن التشاور علي تسليم المسيح له
المجد كان الخطوة العملية التي قادت إلي تنفيذ عمل الخلاص ..هذه التسبحة نصليها في
كل ساعات النهار و الليل و هي عشر صلوات ، خمس
بالنهار و خمس بالليل . و نعني بها صلوات الساعة الأولي ، و الساعة الثالثة ، و
الساعة السادسة ، و الساعة التاسعة ، والساعة الحادية عشرة .
-----------------------------------
في كل صلاة منها ننظر إلي مخلصنا
الصالح في آلامه ، ونقول له : نحن نعلم من
أنت . أنت ( لك القوة و المجد و البركة و العزة إلي الآبد آمين )) .
و بهذه التسبحة نتتبع السيد
المسيح خطوة خطوة معه ، في كل أحداث الأسبوع الأخير السابق للصلب . فما هي أحداث
هذا الأسبوع ، وما هو موقف الكنيسة منها ؟
------------------------------------
كيف بدأت هذه الآلام ؟
في يوم الأحد أحد السعف ، أو أحد
الشعانين ، ذهب السيد المسيح إلي أورشليم حيث استقبله الشعب استقبالاً رائعاً كملك
بالهتاف و بسعف النخل و بالتسابيح فارشين أرديتهم تحت قدميه . و ارتجت المدينة
كلها لمقدمة ( متي
21: 10) . فكانت
النتيجة أن تضايق من ذلك جداً رؤساء الكهنة و قادة الشعب من الكتبة و الفرسيين و
الصندوقيين . وحسدوه علي هذه المحبة العظيمة التي له في قلوب الناس . و فكروا في
أن يتخلصوا منه . وزادهم ضيقاً أنه دخل بسلطان إلي الهيكل و طهره مما فيه من بيع و
شراء ، حتي . قالوا له بأي سلطان تفعل هذا (( متي 21: 23 )) . ومن ذلك الحين فكروا عملياً في قتله ، قائلين بعضهم لبعض ((
هوذا العالم قد سار وراءه ))
((يو 12: 19 )).
هؤلاء الرؤساء أرادوا قتله حسداً .
ولكن ما هو سر تحول الشعب من هذا الاحتفال الكبير به كملك إلي قولهم فيما بعد
((اصلبه ، اصلبه )) ( لو 23:
21))
لعل السر في هذا ، هو أن السيد
المسيح رفض الملك العالمي الذي عرضوه عليه ، لأن مملكته روحية ليست من هذا العالم
و بهذا خيب آمالهم العالمية التي ظهرت في هتافهم عندما أستقبله قائلين (( مبارك
الآتي باسم الرب . مبارك مملكة أبينا الآتية باسم الرب )) ((مر 11: 9 ، 10)) . وهكذا استطاع أن يقنعهم الرؤساء بأن
آمالهم قد خابت في المملكة المنتظرة . و كرد فعل ينبغي التخلص من هذا الناصري !!
-------------------------------------
ومن هنا بدأت فكرة قتله تتحين فرصة
للتنفيذ . و لذلك تحتفل الكنيسة ببدء أسبوع الآلام بعد قداس أحد الشعانين ..
الكنيسة كلها تجلل بالسواد .
القماش الأسود ، يحيط بالأيقونات و بالمانجلية و بأعمدة الكنيسة ، أحياً بالجدران
أيضاً . و أي داخل إلي الكنيسة يشعر أنها في حالة حزن و ألم ، مشاركة للمسيح ألهنا
في ألمه . كما قال القديس بولس الرسول لأعرفه و قوة قيامته و شركة آلامه )) (في 3: 10 )
الجناز العام ...........
الكنيسة طول أسبوع الآلام منشغلة
باآلام المسيح و حده لا تفكر في شئ آخر غيره ، ولا ترفع بخوراً . لذلك أن توفي أحد
في هذا الأسبوع لا يرفع عنه بخور كسائر الجنازات ، بل يدخل إلي الكنيسة و يحضر
صلوات البصخة ، وتتلي عليه القراءات .
----------------------------------------
لذلك يقام جناز عام بعد قداس أحد
الشعانين من أجل أنفس الذين ينتقلون في البصخة المقدسة .
و يصلي علي الماء لهذه المناسبة
. هذا الماء يظنه بعض العوام و غير العارفين إنه من أجل تكريس السعف . و هو من أجل
الجناز العام . علينا خلال صلوات هذا الجناز أن نقف معترفين لله بخطايانا ، مقدمين
توبة صادقه . نحن لا نضمن حياتنا .. ربما تكون هذه الصلوات من أجلنا أطال الله
أعماركم .. بعد هذا الجناز و صرف الشعب ، يبدأ الانتقال إلي خارج المحلة ..
خارج المحلة ...............
كانت شريعة العهد القديم تقتضي
بأن ذبيحة الخطية تحرق خارج المحلة (( لا 4: 12، 21) . أنها تحمل الخطايا ، فلا يصح أن تنجس المحلة ، بل تحرق
خارجاً ..و هكذا المسيح أيضاً الذي حمل خطايا العالم كله ، تألم خارج الباب ، خارج
المدينة المقدسة . حسبوه خاطئاً ، فأخرجوه خارج و أتبعه بقوله :
فلنخرج آذن إليه خارج المحلة ،حاملين
عاره )) .. ( عب 13: 12)
والكنيسة المقدسة التي هي في
أسبوع البصخة تتبع الرب في كل خطواته هي أيضاً تخرج معه خارج المحلة . لذلك يغلق
الهيكل و يسد الحجاب ، و تترك الكنيسة الخورس الأول خورس القديسين ، و تنقل
المانجليا إلي الخورس الثاني و تصل بعيداً عن المذبح ، بعيداً عن الهيكل ، خارج
المحلة .. معه ، حاملين عاره
نقول له خارج المحلة (( لك القوة
و المجد و البركة و العزة إلي الآبد أمين …)
و بهذه التسبحة تتبع السيد
المسيح في آلامه خطوة خطوة …وما أجمل ما نتأمل في كلمات هذه التسبحة
، لنعلم ماذا نقوله للرب في آلامه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق