العطاء عند الله والناس
الله المعطي
من صفات الله العطاء. فهو قد أعطي. ويعطي
باستمرار. هو يعطي دون أن نطلب. ويعطي فوق ما نطلب. ويعطي بسخاء يعطينا ما نحتاجه.
ويعطينا ما نعطيه. ويعطينا موهبة العطاء ونحن لا نملك ما نعطيه. فكل عطائنا هو من
عنده. من خيره ومن جوده. حتي الرغبة في العطاء. يعطيها لنا. وحينما نعطي حقوق الله
علينا. إنما نقول له "منك الكل. ومن يدك أعطيناك".
وعطايا الله تشمل كل خليقته. فهو يشبع الكل
من رضاه.
إنه يعطي البشر. ويعطي كل الكائنات الحية.
ويعطي الطبيعة أيضاً.. إنه الله المعطي حتي الحشرات لم تُحرم من عطائه.. فعلاقة
الله بالخليقة بدأت بالعطاء. وكيف ذلك؟
* * *
أول عطية وهبها الله لنا. هي نعمة الوجود
منذ الأزل كان الله وحده. تمجده صفاته ثم شاء
الله من جوده. أن يخلق كائنات أخري. وهكذا أنعم بالوجود علي غير الموجود. شاءت
إرادته. فكان كل شيء.. ولو لم ينعم الله علينا بالوجود. لبقينا عدماً..
خلقنا وهو غير محتاج إلينا. فمن طبيعة الله
أنه لا يحتاج إلي شيء. ولهذا يمكننا أن نخاطبه قائلين: لم تكن أنت يا رب محتاجاً
إلي عبوديتنا. بل نحن المحتاجون إلي ربوبيتك...
وقبل أن يعطينا الله نعمة الوجود. أعطانا
الطبيعة لخدمتنا ولراحتنا. أقام لنا السماء سقفاً. ومهد لنا الأرض كي نمشي عليها.
أعطانا الشمس والقمر والنجوم لأجل الضياء. وأعطانا الماء والهواء والطعام. ولم
يتركنا معوزين شيئاً..
* * *
وكما أعطانا الوجود. أعطانا الحياة. وأعطانا
العقل
أعطانا الحكمة والنطق. أعطانا الفهم والذاكرة
والاستنتاج. بل أعطانا القدرة علي الاختراع. لكي ندبر لأنفسنا ما نحتاج إليه. أعطي
الله العقل. حتي للذين يستخدمونه ضده..! حتي للملحدين الذين استخدموا عقولهم
لإنكار وجوده. وللأشرار الذين استعملوا عقلهم في كسر وصاياه الإلهية. وفي الدهاء
والخبث وفي التآمر علي غيرهم.. ولم يسحب الله نعمة العقل منهم! أعطي الله العقل
والحكمة للبعض. فاخترعوا اختراعات مذهلة. تكبّر قلبهم بها. وظنوا أنهم مثل الله
يخلقون!! بينما الله هو وحده الخالق. لأنه يُوجد أشياء من العدم. أما البشر فهم
مجرد صناع. يصنعون من المواد التي خلقها الله. ويستخدمون في ذلك العقل الذي وهبهم
الله إياه
* * *
وكما أعطانا الله الوجود والحياة والعقل.
أعطانا الضمير أيضاً
وذلك لكي نعرف الخير والشر. ونميز بين الصالح
والطالح. ونسلك به في حياة الفضيلة والبر. وظل الضمير نوراً للناس يهتدون به في
حياتهم. ويحتكمون إليه في تصرفاتهم.
ولما أظلمت ضمائر الكثير. وفقدت شفافيتها.
أعطانا الله الشريعة عن طريق الوحي والأنبياء. وهكذا لم يتركنا الله بلا إرشاد
روحي في حياتنا.
وكما أعطانا أن نعرف الخير. أعطانا الله أن
نعرفه هو. وأن نكون لنا به صلة خاصة. في الصلاة والتسبيح والعبادة
* * *
وأعطانا الله في طبيعتنا الكثير من العواطف
السامية والمواهب
منها عواطف الأمومة والأبوة والبنوة. وعواطف
الصداقة وحب الخير للغير. وعواطف الإخلاص والوفاء. وعلي كل هذا. بدأ تأسيس المجتمع
البشري وثباته.
وأعطي الله البعض منا مواهب خاصة. فالبعض
أعطاه موهبة الرسم. والبعض موهبة الموسيقي. والبعض موهبة الشعر. والبعض موهبة
الفن. والبعض موهبة الغناء. والبعض موهبة الخط الجميل. والبعض موهبة الاختراع..
كلها مواهب من الله.
* * *
وأعطي الله الطبيعة والبشرية نعمة الجمال
جمال المناظر الطبيعية من الجبال والأنهار
والبحيرات. وجمال الخضرة والأشجار والأزهار والرياحين والورود. وأيضاً الجمال
العجيب في ألوان متعددة ومتنوعة من الفراشات. ومن الأسماك الملونة. ووهب جمالاً
آخر في تغريد الطيور والبلابل. ولكلي منها صوته الخاص. ومن الكل تتكون سيمفونية
موسيقية عجيبة وأعطي بعض البشر موهبة في الصوت الجميل والمؤثر وأعطي البعض الآخر
ألواناً أخري من الجمال
يضاف إلي كل هذا ما نراه في الطبيعة أيضاً من
جمال البدر والنجوم. وجمال الأفق وقت غروب الشمس وشروقها. وجمال الألوان في قوس
قزح. وتنوع الألوان عموماً وجمالها...
* * *
ومنحنا الله النظام العجيب في الطبيعة وفي
الجسم البشري
فالأرض مثلاً تدور حول نفسها بنظام عجيب دورة
كل يوم ينتج عنها الليل والنهار. ودورة في السنة حول الشمس ينتج عنها تتابع الفصول
الأربعة. كذلك دورة القمر كل شهر. ومنها أوجه القمر ونظام عجيب وضعه الله في الفلك
للكواكب والنجوم والمجرات.. ونظام في عمل الرياح والأهوية. والجو.. كذلك منحنا
الله نظاماً عجيباً في أجسادنا. وفي عمل كل عضو منها. ومن يتأمل وظائف الأعضاء في
الجسد البشري وتعاملها وتعاونها معاً ير عجباً: في تركيب المخ وعمله. وفي القلب
وشرايينه. وفي وظائف الكبد والكلي. ووظائف الجهاز الدوري والجهاز الهضمي. وغير
ذلك... أعطي الله للجسد البشري نظاماً دقيقاً جداً بحيث إذا اختل شيء منه. يصاب
الإنسان بمرض.. مبارك الرب في كل ما أعطاه...
* * *
والله يعطي المعونة. وأيضاً النجاة والإنقاذ
هو المعين. وهو المنجي. وهو المنقذ. والمعونة
التي يعطيها للبشر بأنواع وطرق شتي. وأحياناً يرسل الملائكة لإنقاذهم. وهناك معونة
أخري تصل إليهم في استجابة صلواتهم وحل مشاكلهم.. وما أعجب ما يعطيه الله للحيوان
من فرص الإنقاذ. ومن أمثلتها الأسد يمكنه أن يفترس الغزال. فيعطي الله للغزال قوة
في الجري ينجو بها من الأسد. والقط يقدر علي الفأر. فيعطي الله الفأر قوة علي
الحفر ينجو بها من القط. والكلب يستطيع أن يقتل القط. فيعطي الله للقط قدرة علي التسلق.
فيتسلق الشجر أو بعض الحوائط وينجو.
كذلك بالنسبة إلي البرد القارس عند القطب.
يهب الله كلاً من الدب القطبي والثعلب القطبي فراء علي جسده يحميه من البرد.
إننا لا نستطيع أن نحصي كل ما أعطاه الله.
وما يعطيه وكل ما ذكرناه هو مجرد أمثلة لعطاء يفوق الإحصاء
يكفي أن نقول أخيراً انه منحنا نحن البشر
نعمة القيامة والخلود
وأنه ستكون لنا بعد الموت فرصة في حياة
أخري..
* * *
العطاء عند الإنسان
عطاء الإنسان هو تنفيذ لوصية إلهية. وهو
أيضاً عاطفة قلبية
هو نوع من البذل. والتخلص من الأنانية ومن
محبة الذات. وذلك بالانعطاف نحو الغير. ومحبة الناس وإعطائهم.
وأول تدريب علي العطاء. يبدأ من مرحلة
الطفولة. المرحلة التي يظن فيها الطفل أن كل شيء ملكه. ويريد أن يستحوذ علي كل
شيء.
فندرب الطفل أن يعطي أي شيء. لأي أحد. وبخاصة
المحيطون به
فيعطي اخوته مما يُعطي له. وإذا جاء ضيوف. يمكن
أن ندرب الطفل أن يوزع عليهم الحلوي مثلاً. وهكذا يتدرب علي العطاء.. وشيئاً
فشيئاً ندربه علي الإعطاء للمحتاجين.
* * *
كل شيء يصل إليك. درّب نفسك أن تعطي منه
شيئاً
حاول أن يشترك معك غيرك في كل ما يعطيك الله
من الخير. وكل يوم يمر عليك. دون أن تعطي فيه شيئاً لغيرك. ليتك لا تعتبره من
حياتك. واليوم الذي يكون كله أخذاً دون عطاء لا تحسبه مكسباً.. لأنه مغبوط هو
العطاء أكثر من الأخذ.
* * *
لا تبحث عن الأشياء المرفوضة منك لكي تعطيها
للغير!
بل أعطِ مما تحبه نفسك. وما ترغب في التمسك
به. ولا تقتصر في عطائك علي فضلاتك ومرفوضاتك. وإن كان ما تعطيه للفقراء تعتبر أنك
تعطيه لله. فأعط الله إذن أفضل ما عنك..وأفضل لون من العطاء. هو أن تعطي من أعوازك
لأنك في هذه الحالة. إنما تفضل غيرك علي نفسك
فضيلة أخري في العطاء. أن يكون بسخاء بلا
تقتير
لا تعطِ وأنت تحاسب الله والناس علي ما
تعطيه. الله نفسه في عطائه يفتح لنا كوي السماء. ويفيض علينا بلا حساب
* * *
وإذ تعطي بكرم. أعطِ أيضاً بفرح
افرح بأنك في عطائك قد أسعدت إنساناً. الأب
والأم يفرحان فيما يعطيان ابنهما ما يريده. ويسعدان بابتسامة ترتسم علي شفتيه
قال أحد الأدباء: سقيت شجيرة كوب ماء. فلم
تقدم لي عبارة شكر واحدة. ولكنها انتعشت. فانتعشت.
ومن أمثلة الكرم في العطاء والفرح في العطاء.
أنه كان يأمر غلامه ليوقد النار. حتي يراها الغريب فيأتي. وقد قال في ذلك:
أوقد يا غلام فإن الليل ليل قرّ
والريح يا غلام ريح صرّ
لعل يري نارك من يمرّ
إذا جلبت ضيفاً. فأنت حرّ
أي يحرر من عبوديته. مكافأة له علي أنه جلب
ضيفاً لإكرامه
* * *
وينبغي أن يكون العطاء بمداومة. فلا تسأم منه
لأن هناك من يدفع مرة أو مرتين. ثم يملّ.
ويرفض إذا طُلب منه أكثر. أما الإنسان الروحي. فإنه يفرح كلما أتيحت له فرصة للعطاء.
وهو يعطي بسرور مهما كثر الطلب منه. أما الذي يعطي وهو متضايق. والذي يعطي أن
الذين يأخذون منه إنما يرهقونه.. مثل هذا الشخص إذا أعطي إنما يعطي من جيبه. لا من
قلبه.
بل يجب أن يعطي الإنسان. دون أن يُطلب منه
العطاء
فيكون حساساً نحو احتياجات الغير. يعطيهم ما
يشعر أنهم يحتاجون إليه. دون أن يطلبوا منه. مثال ذلك الأب الذي يعطي أبناءه
احتياجاتهم. دون أن يطلبوا.. كذلك من يطلب. لا يتأخر في إعطائه.
* * *
وهناك مناسبات يعطي الإنسان فيها. دون طلب
يعطي في مناسبات الأعياد. لكي يفرح الآخرون
مثلما يفرح هو ويعطي في حالات المرض. عارفاً بثقل تكاليف العلاج وسعر الدواء.
ويعطي في مناسبة افتتاح المدارس. وتكاليف مصروفات الطلاب ويعطي لسداد تكاليف
الولادة. وتكاليف الجنازات. ولسداد الديون ويعطي في كل مجال للخدمة الاجتماعية.
وللمشاركة في احتياج الآخرين ويعطي لبيوت الله من حقوق الله عليه. مما أمر الله به
ويعطي للأيتام. والأرامل. ولأسرات المعوزين. ولبيوت المعوقين وهناك عطاء آخر.
تعطيه الدول للدول. والشعوب للشعوب. الغنية منها للمحتاجة. وبخاصة في مناسبات
المجاعات والأوبئة وكوارث الطبيعة.
* * *
وأعظم مثل للعطاء. هو أن يعطي الإنسان ذاته لغيره
كالجندي الذي يقدّم حياته لوطنه في وقت
الحرب. وكالذين يعملون في إنقاذ غيرهم من الغرق أو الحريق. ولو ماتوا في سبيل
ذلك.. وكمن يفدي غيره بنفسه ويموت عنه في شتي المناسبات..مثال لنا من الطبيعة
الشمعة التي تذوب تماماً لتضيء لغيرها وكحبة البخور التي تحترق لكي تعطي رائحة
زكية للآخرين..
أخيراً إن لم نعط الناس ذاتنا أو ممتلكاتنا.
فعلي الأقل لا نسلب حقوقهم. بل نعطي لكل ذي حق حقه..
* * *
يضاف إلي كل هذا العطاء المعنوي غير المادي
فإن لم يكن لله ما تعطيه من مال. أعطِ غيرك
كلمة تشجيع. عبارة عطف وحنان. نصيحة مفيدة. ابتسامة تفرحه. اعطه وقتك أو جهدك.
المهم أن تعطي ما تقدر عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق