الأربعاء، 9 مايو 2012

الخوف - لمعلم الاجيال قداسة البابا شنودة الثالث

 الخوف.. أسبابه - أنواعه - علاجه


العالم حاليا يدور في دوامة من الخوف: الناس يخافون بعضهم بعضا. وكذلك الدول والشعوب تخاف بعضها البعض.
ويوجد خوف من الوضع الحاضر. وخوف مما سيحدث ربما في المستقبل. خوف من السياسات ومن القرارات. ومما تنشره الصحف ومما تذيعه الإذاعات. خوف عام. وخوف خاص.
ونود في هذا الجو أن نتحدث عن الخوف: أصوله وتاريخه وتطوره. وعمله في النفس البشرية. وأسبابه. وأنواعه. وما هو الضار منه وما هو النافع؟.
وقبل أن نبدأ الموضوع. يلزم أن نبدي ملاحظتين: فما هما؟
***
الملاحظة الأولي: هي أن الإنسان حينما خلقه الله. لم يكن الخوف في طبيعته. بل كان يملكه السلام والأمن
كان الإنسان يعيش مع الوحوش. وما كان يخافها. ولا كانت تخافه. فما كان الإنسان قد عرف أكل اللحوم بعد. ولا عرف أيضا حرفة الصيد. وما كانت الوحوش قد دخلت في طبيعة الافتراس بعد. فعاش الإنسان والحيوان صديقين يتآلف أحدهما مع الآخر بلا خوف.
وتكرر الأمر في فلك نوح. فما كان أبونا نوح يخاف الوحوش في الفلك. وكان يرعاها ويقوتها...
فمتي دخل الخوف في طبيعة الإنسان إذن؟
***
حينما أخطأ الإنسان. وبدأت طبيعته تفسد. حينئذ دخله الخوف
بدأ الإنسان يخاف الله. بعد أن كان يحبه ويفرح بالوجود في عشرته. بل أخذ يخاف أخاه الإنسان منذ مقتل هابيل بيد أخيه!
ودبّت العداوة بينه وبين بعض الحيوانات. هو يصيدها أو يقتلها. وهي تفترسه أو تؤذيه. وكل منهما يحترس من الآخر...
وتطور الخوف فأصبح عند البعض رعبا...
بل أصبح الخوف عند البعض مرضا نفسيا يحتاج إلي علاج. أو علي الأقل يحتاج إلي تحليل نفسي لمعرفة أسبابه ووصف علاجه.
***
الملاحظة الثانية هي أنه ليس كل خوف عيبا أو نقصا. وليس كل خوف خطيئة
فمخافة الله فضيلة. وهي لا تعني رعبا. فنحن لا نرتعب من الله الذي هو مصدر كل النعم والمواهب والعطايا. وهو مصدر الحماية والرعاية والمعونة في كل الضيقات. ونلجأ إليه لا خائفين بل ملتمسين تدخله في حياتنا...
ومخافة الله تعني مهابته. وهي مزيج من التبجيل والخشوع. ويصل الخشوع في مخافته إلي مستوي الركوع والسجود والطاعة.
وكما نهاب الله ونخافه. نهاب أيضا الوالدين. وكبار السن. والرؤساء. لا خوفا بمعني الرعب بل مهابة وإجلالا.
ومخافتنا لله تعني أيضا خضوعنا لوصاياه الإلهية. ومهابتنا للوقوف أمامه في يوم الدين لمساءلتنا عن أعمالنا.
***

والخوف مصدره حالة القلب الداخلية وطبيعة النفسية. أكثر مما يكون مصدره راجعا إلي أسباب خارجية
فالقلب الشجاع القوي لا يخاف. بينما الجبان يرتعد لأتفه وأقل الأسباب. كذلك نفسية المرأة ونفسية الطفل. تختلفان من جهة الخوف عن نفسية الرجل. كذلك الجنود النازلون إلي ساحة القتال يُختارون من النوع الذي لا يخاف.
ونفس الوضع نقوله عن الأبطال والشهداء. الذين كانوا يتقدمون إلي ساحة الاستشهاد بكل بسالة. بينما كل الأسباب الخارجية تدعو غيرهم إلي الخوف. ومثلهم المدافعون عن الحق. ومن يتولون زعامة الجماهير وقيادتهم. لهم قلوب لا تعرف الخوف. بل تتصدي بكل شجاعة لتحمل المسئولية.
***
أما عن أسباب الخوف. فقد قال أحد علماء النفس إنها ثلاثة: الظلام. والمجهول. والحركة المفاجئة
وواضح أن هذه الأسباب الثلاثة تتركز في سبب واحد هو المجهول. فالبعض يخاف الظلام. لأنه يطوي خلفه ما هو مجهول. وكذلك الحركة المفاجئة قد يرتبك بسببها البعض لأنه يجهل ما هو مصدرها.
علي أن هناك أشخاصا لهم جسارة قلب. لا يخافون من الظلام ولا من الحركة المفاجئة. والمجهول قد يدعوهم إلي التفكير. وليس إلي الخوف.
علي أننا من الناحية العملية نود أن نتعرض لأسباب غالبا ما يخاف منها الكثيرون. وهي الخوف من الموت. والخوف من الشياطين. والخوف من الناس الأشرار
كما نتعرض إلي نقطة أخري. وهي الخوف بلا سبب.
***
الخوف من الموت:
غالبية الناس يخافون من الموت. ومن مسبباته. ويندر أن يوجد إنسان لا يخاف الموت. وربما هذا أيضا هو خوف من المجهول.
هم يخافون الموت لأنهم يجهلون كيف يتم؟ كيف تنفصل الروح من الجسد. كما يجهلون مصيرهم بعد الموت..
يخافون لأنهم ربما يرون أن انفصال الروح عن الجسد قد يكون أمرا مخيفا مؤلما... ويخافون لأنهم لا يعرفون ماذا يحدث لهم بعده. ومن جهة هذه النقطة بالذات نضع أمامنا نوعين من الناس.
* يخاف من الموت الذين لا يؤمنون بالحياة الأخري. ويرون أنه الموت هو بداية للفناء وعدم الوجود علي الإطلاق. لذلك كان كثير من الملحدين يلاقون الموت في رعب شديد...
* يخاف من الموت أيضا الذين عاشوا حياة شريرة. فيخافون ساعة الحساب والوقوف أمام الله في يوم الدينونة الرهيب. وما ينتظرهم من عذاب أبدي جزاء شرورهم وآثامهم وانحرافاتهم.
***
لذلك يخاف الموت من هو غير مستعد له. من غير التائبين. كذلك يخافه محبو العالم الحاضر. من كل شهواتهم متعلقة بهذه الدنيا...
فيري أن الموت سيحرمه من كل لذة يتمتع بها حاليا. وبخاصة ملاذ الجسد وشهواته. كما سيحرمه الموت من أحبائه الذين قد تعلق بهم قلبه. من الأقرباء والأصدقاء ومن تحلو له عشرتهم.
أما الأبرار فإنهم يشتهون الموت كما تُشتهي الحياة. شاعرين أنه سينقلهم إلي حياة أفضل. بكل ما فيها من متعة الروح ومن عشرة الملائكة والصديقين. والبعد عن العالم الشرير المادي.
***
والخوف من الموت يجعل الإنسان يستعد له. أو يهرب من سيرته!
والاستعداد للموت يكون بالإيمان والتوبة والعمل الصالح... فإذا اطمأن إلي مصيره الأبدي. حينئذ يزول خوف الموت منه.
ولكن البعض بسبب الخوف. يحاول أن يهرب من سيرة الموت. بأن ينهمك في مشاغل وملاذ هذه الدنيا. فلا يسمع عن هذا الموضوع المتعب! وهكذا يسير في طريق عكسي يبعده عن الاستعداد للموت!.
وللأسف نجد مرضي في حالة خطرة وعلي حافة الموت. بينما أقاربهم يبعدون عنهم هذا الاسم المخيف - وكذلك يفعل أطباؤهم - بأكاذيب وطمأنة خادعة. ويشغلهم أصدقاؤهم في أحاديث وسمر ولهو وتسلية. ولا تكون لهم فرصة للتفكير في أبديتهم والاستعداد لها. ويظن أولئك "الأحباء" أنهم يريحون نفسية المرضي!!.
وفيما يريحون نفسياتهم. يتعبون أرواحهم بعدم الاستعداد للموت!
يفعلون هكذا. إلي أن يدهم الموت مريضهم فجأة. فيموت بدون توبة وبدون استعداد. ولا تنفعه كل تلك الطمأنة الكاذبة وكل أحاديث أقربائه وما جلبوه له من وسائل التسلية.
أما في بلاد الغرب. فإنهم يخبرون المريض بحالته بكل دقة وصدق. قد ينزعج أول الأمر. ولكنهم يكونون صرحاء معهم. ويطمئنونه فقط في حدود الحقيقة الطبية. ويعطونه فرصة للاستعداد.
***
علي أن خوف الموت قد يستغله الشيطان بطرق أخري:
كأن يقنعه بأنه مادام سيموت. فليتمتع إذن بالدنيا علي قدر ما يستطيع. قبل أن يتركها. مثال ذلك قول الأبيقوريين "فلنأكل ونشرب. لأننا غدا نموت"! أو قد يحاربه الشيطان بأفكار شك.
وقد يجعل خوف الموت يشل تفكيره. فيحصره في الخوف فقط. وليس في الاستعداد لأبديته. ولا يقف أمامه سوي رعب الموت. ونتائج موته اجتماعيا وماليا. وخوف الحرمان من كل شيء.
***
الخوف من الشياطين
يخاف البعض من القوي غير المنظورة. كالشياطين ومن يسمونهم بالجن والعفاريت. ويخافون من أتباع هؤلاء من السحرة والمشعوذين
ويخافون من "العمل" والمكتوب! ويلجأون إلي "العرافين" وأيضا إلي المشتغلين بعلم "الأرواح" وإلي الدجالين لكي ينقذوهم!!.
والعقلاء قد يخافون الشياطين من جهة الحروب الروحية. وما يلقيه الشياطين من أفكار شريرة تنشغل بها النفس فتخطيء إلي الله. وأيضا ما يلجأ إليه الشيطان من طرق الخداع والتضليل. كأن يظهر في رؤي خادعة وفي أحلام مضللة. أو يظهر في مناظر مفزعة.
إن الشيطان يفرحه أن نخافه. لعلنا بالخوف نستسلم له!
أو نيأس من محاربته فلا نقاومه. فلا يخف أحد من الشيطان. ولا يجوز أن نعطيه قدرا فوق قدره. فهو أيضا تحت سلطان الله الذي لا يسمح له أن يجرب الناس فوق ما يحتملون...
بالصلاة يستطيع الإنسان أن يأخذ قوة من الله للانتصار في حروب الشياطين. والأمر يحتاج أيضا إلي حكمة وخبرة وإرشاد.
***
الخوف من الناس الأشرار
كثيرون يخافون أذي الناس. ومؤامراتهم ضدهم. وربما يخشون أذاهم واعتداءاتهم. أو وقوفهم في طريق مستقبلهم. أو محاولاتهم لإساءة سمعتهم. ولذلك يعملون للناس ألف حساب.
ويستغل الشيطان خوفهم من الناس. لكي يلقيهم في الملق والنفاق. أو الرياء والمداهنة. أو محاولة كسب رضاهم بكافة الطرق
أو كما يقول أحد الأدباء في ذلك: ارضِهم مادمت في أرضَهم. وحيّهم ما دمت في حيهم. ودارِهم ما دمت في دارهم. وقد يصاب الخائف بصغر النفس. ويصبح هدفه أن ينجو من الناس مهما كانت الوسيلة. ولا مانع من أن يفعل ما يفعلون. ويقول أيضا ما يقولون. ويعذر نفسه بقوله "ماذا أفعل وحياتي في أيديهم؟!.
وينجرف مع التيار. ويقوده الخوف. وليس الضمير!
***
وقد يخاف البعض من الذين يعرفون أخطاءهم وقد يكشفونهم
فإما أن يعاملوهم بخوف وتملق. في محاولات للإرضاء والإسكات. وإما أن يقودهم الشيطان إلي التخلص منهم بجريمة ما.
مثال ذلك: السارق الذي يقتل من يراه وهو يسرق. والزاني الذي قد يقتل من يفضح خطيئته. ولا يكون مثل هذا القاتل في مركز القوة. إنما في مركز الخوف وقلة الحيلة.
***
الناس عموما يخافون ممن هم أقوي منهم. سواء من هم أقوي عقلا. أو أقوي بطشا. أو أقدر علي الانتقام وعلي تدبير المشاكل.
والخوف من الناس يزيدهم إيذاء
يشعرون أن الذي أمامهم غير قادر عليهم. فيقدرون هم عليه. ويستمرون في تخويفه. وكلما يزداد خوفا. يزداد إيذاؤهم له وبنفس الطريقة يسلك الشيطان مع الناس.
***
الخوف بلا سبب
هو لون من الخوف الطفولي. أو الخوف المرضي
كمن يتصور أن هناك ما يخيفه. حيث لا يوجد شيء! أو يتصور أن أحدا ما يريد أن يؤذيه. ولا يكون هذا إلا في خياله!.
إنها مخاوف وهمية. وهناك أمراض نفسية من هذا النوع. وقد يكون سبب الخوف قراءة قصص تخيف. أو رؤية أفلام مخيفة. يحدث لها عملية إسقاط علي الواقع.
والإيمان بالله وحفظه ورعايته. فيه علاج للخوف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق