الجمعة، 11 مايو 2012

العنف أخطاؤه أسبابه أنواعه - لمعلم الاجيال قداسة البابا شنودة الثالث



العنف أخطاؤه أسبابه أنواعه



أخطاء العنف
العنف خطيئة مركزة ومركبة. تشمل العديد من الخطايا. وهو أيضاً خطيئة منفرة. مكروهة من الكل لا يستريح لها أحد من الناس . وسنحاول اليوم أن نحلل العنف. ونري ما يكمن في داخله من الخطايا.
* العنف هو دليل علي قسوة القلب
فكل عنيف هو بالضرورة قاسي القلب. لا يبالي بما يجره عنفه علي غيره. وهو خطية عدوانية. قد تصل إلي الإيذاء. بل إلي القتل أحيانا. لفرد أو لجماعات من الناس.
وبالتالي فهو لايتفق مع انسان روحي. تتصف طباعه بالرقة والهدوء. وتكون الفاظه هادئه ومنتقاه. ويحرص علي ألا يخدش شعور أحد من الناس.
**********
* والعنف يتناقض مع الوداعة والمحبة واللطف
هذه الصفات التي تجعل صاحبها محبوبا في المجتمع الذي يعيش فيه. والإنسان الهاديء يعالج المشاكل بالحكمة واللطف لا بالعنف. ولا يكون غليظ القلب. حتي لا ينفض الناس من حوله.
أما الإنسان العنيف. فهو إنسان غير اجتماعي. ينفر الناس منه. ولا يستطيع أن يكسب رضي الناس ولا مودة البشر.
* والعنف دليل علي البغضة
فالذي يحب إنساناً. لا يعامله بعنف. ولهذا فإن الزوج العنيف يخسر محبة زوجته. إلا لو كان إنساناً سادياً يجد لذة في عنفه.
**********
والعنف دليل علي الضعف. وفقد الحيلة. والعجز الكامل عن التصرف السليم
* فالمدرس الذي يلجأ إلي العنف مع تلاميذه
هو مدرس ضعيف. فهو إذ يعجز عن ضبط النظام بين تلاميذه. يثور عليهم. ويضرب هذا. ويطرد ذاك. ويشتم ويعاقب. وبهذا يدل بلا شك علي أنه إنسان ضعيف. لأنه لو كان قوياً. ما كان يلجأ إلي العنف. بل كان يستطيع أن يضبط الفصل بقوة شخصيته. أو بذكائه وجاذبيه شرحه. أو بمرحه ولطفه. أو بمحبة تلاميذه له. ولكنه إذ خلا من كل هذه الصفات المحببة إلي تلاميذه. لجأ إلي العنف بدافع من قلة الحيلة.
* كذلك الأم التي تضرب اطفالها:
فإن كان ابنها يصيح بصوت عالي مثيراً صخباً. أو يلهو ويجري ويعبث. ولا تستطيع أن تضبطه. ولا أن تتركه يلعب. تلجأ إلي العنف: تضرب أو تشتم أو تهدده أو تخيفه بطريقة ما! كل هذا لأنها لا تملك الخبرة ولا المعرفة بالطرق التربوية. ولا بكيفية معاملة الأطفال. ولو عرفت. لكسبت طفلها دون الرجوع إلي العنف.
**********

 وهنا يكون العنف وسيلة لتغطية العجز.
أو مجرد رد فعل لقلة الحيلة..
وقد يكون عند البعض لإثبات الذات والسيطرة
فيكون الشخص عنيفا ليجبر الآخرين علي الخضوع له بالقوة. لا إيماناً بزعامته. وإنما خضوعاً لسطوته. وكما قال الشاعر:
خُلق الناس عبيداً ... للذي يأبي الخضوعْ
فإذا ما هبّ يوماً ... سائرا سار الجميعْ
وهذا هو خطأ آخر للعنف. أي إجبار الآخرين للخضوع بالقوة. وهو مبدأ يسير عليه الدكتاتوريون. ومن يلجأ إلي الأسلوب الديكتاتوري في أية هيئة من الهيئات. والوضع السليم أن يخضع الناس لزعاماتهم. عن طريق الثقة بهم والاقتناع بفكرهم. لا عن طريق الخوف من عنفهم.
**********
العنف إذن هو وسيلة لإظهار الذات أو للدفاع عن الذات
وقد يستخدمه البعض للدفاع عن مبدأ أو نشره
وقد استخدمته البلشفية في نشر مبادئها الشيوعية. ولم يستمر ذلك. لأنه ما أن نال الناس حريتهم. حتي تركوا ما كانوا قد اُجبروا علي قبوله بالعنف. والمعروف أن المباديء والقيم والمذاهب. لايمكن أن يقبلها العقل بالعنف. بل بالاقناع. وإن كانت الإرادة يمكن ان تخضع بالعنف. فالعقل لايمكن أن يخضع.. حتي إن تظاهر بالقبول بلون من السياسة أو الخوف. إلي وقت محدد يمكن أن يزول فيه عامل الخوف.
**********
ومن أخطاء العنيف. أنه لا يضبط نفسه
بعكس الإنسان الهاديء الذي يتصف بضبط النفس. ويمكنه أن يتحكم في تصرفاته. أما العنيف فإنه يفقد ضبط النفس. فلا يستطيع أن يتحكم في أعصابه. ولا في غضبه. وقد يتصرف تصرفات هوجاء. تدل علي أنه لا يتحكم في عقله وفي تفكيره. ولا يزن ما يفعله بميزان سليم. ولا يحسب ردود الفعل لكل ما يفعله أثناء ثورة انفعاله. أو أثناء تعبيره عن عنفه.
أنواع من العنف
* أول نوع هو الإيذاء بكل درجاته
ومنه الضرب والقتل بأنواعه. وكذلك كل ألوان التعذيب الجسدي أو النفسي. كالتخويف مثلاً وإثارة الذعر مع الضغط والتهديد. وكل ذلك يدخل في العنف العصبي.
* عنف آخر هو الإرهاب
ويشمل حوادث الخطف للأفراد وللطائرات والسفن. والرسائل الملغمة. وكافة أعمال النفس والتدمير والتخريب. وقتل الآمنين. وهدم الكباري. وتحطيم وسائل الاتصال. وكلها جرائم علي مستوي بشع. وتظهر فيها القسوة واضحة.
**********

* ومن العنف أيضا: الحرب
والحروب قد شهدها العالم من أقدم العصور. وهي من ظواهر العنف. ليس بين الأفراد. وإنما بين الأمم والشعوب.
ومن أعنف ما في الحروب: النووية منها. والتي تستخدم الغازات السامة. والأسلحة المحرقة والمدمرة. والتي تضرب مساكن المدنيين والمستشفيات. ومصادر الكهرباء والماء. وتخرب مدنا بأكملها. وتقضي علي حضارات. وتخلّف مجموعات من المشوهين والمعوقين.
**********
* وهناك عنف علي مستوي فردي. مثل تحطيم المعنويات:
ومن أمثلته الزجر الشديد والتوبيخ القاسي. والتركيز علي الأخطاء. وتحطيم الشخصية.
ويدخل في هذا النوع أيضا عنف الإهانة. ويشمل التهكم اللاذع. والازدراء. والتشهير والتجريح والقذف. والتجاهل والمقاطعة. والشتيمة والسب. وما إلي ذلك من ألوان القتل الأدبي أو المعنوي. وربما يصحبه لون من التهديد.
**********
ومن أنواع العنف: عنف العتاب
الذي لا يؤدي إلي المصالحة. بل إلي مزيد من الجفاء والبعد. ويشمل العتاب الشديد القاسي الذي يجرح. وربما لسبب تافه لا يستحق ذلك. وقد يستمر هذا العتاب طويلا. أو يكون أمام الآخرين أو يكون مصحوباً بأسلوب عصبي وبألفاظ لا تليق. وقد يصبح طبعاً يعاتب فيه علي كل صغيرة وكبيرة. وعنه قال الشاعر.
إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبهْ
فعش واحداً أو صِل أخاك فإنه ... مقارف ذنب مرة ومجانبهْ
إذا أنت لم تشرب مراراً علي القذي ... ظمئت. وأي الناس تصفو مشاربه
* وهناك عنف يختلف عن كل ما سبق. ويمكن أن نسميه:
العنف السلبي:
يلجأ إليه الذي لا يقدر علي العنف الايجابي. فيلجأ إلي الكآبة المستمرة والبكاء الدائم. والصمت الحزين. كما تفعل بعض النساء. أو يلجأ إلي الإضراب عن الطعام. أو الانسحاب.
وكلها أنواع من العنف الهاديء الصامت. تمثل ضغطاً معنوياً مستمراً علي الطرف الآخر.
**********
* وهناك عنف داخل الإنسان. وموجه إليه شخصياًَ. وهو:
عنف الشهوات
فقد توجد شهوات تحارب الإنسان بعنف. حتي تدمره تدميراًَ. مثل شهوة الجشع التي لا تستريح مهما أخذت ومهما جمعت. ومثل شهوة تعاطي المخدرات. وشهوة الكبرياء وحب العظمة. والمعروف أن الشهوات لا تستريح حتي تكمل. وإن كملت تود أن تستمر. وقد تصحبها أفكار مدمرة تلصق بالعقل ولا تفارقه. حتي تحوجه إلي مسكنات أو منومات.
**********
أسباب العنف
* من أسباب العنف قسوة في الطباع:
فهناك اشخاص طباعهم قاسية. يتعاملون باستمرار بهذه القسوة. فإذا زادت حّدتها عندهم. تحولت إلي عنف.
وربما ترجع القسوة أحياناً إلي ظروف خاصة بأعصاب الجاني. ففي حالة تعب الأعصاب لا يقدر الشخص علي الاحتمال. فيلجأ إلي العنف.
* أو قد يكون الإنسان الذي يستخدم العنف مريضاً بمرض عصبي أو عقلي. يمكن أن يدفعه إلي العنف. وإلي الإيذاء بل إلي الجريمة. وهذا الأمر معروف عند المدرسة الإيطالية التي تنادي بأن كل مجرم مريض. ولهذا يبحثون عن المرض الذي دفعه إلي الجريمة. ويستدلون بأن بعض الأمراض العقلية يصحبها عنف. وكذلك بعض الأمراض العصبية.
ولكننا لا نستطيع أن تقول إن العنف يرتبط بالأمراض العقلية أو العصبية. فما اكثر العنفاء وليسوا مرضي عقليا.
**********
* وقد يكون الخوف من اكتشاف الجريمة هو من أسباب العنف
كسارق اقتحم بيتاً للسرقة فقط وليس للقتل. ولكنه قد يضطر إلي ذلك. إذا رآه أحد. وخاف من انكشاف أمره.
أو كعصابة تقتل بعض الذين يعرفون أسرارها. حتي لو كانوا من أعضائها. خوفاً من أن يذيعوا بعض الأسرار.
أو كشخص يشتبه في أن آخر يتآمر عليه. فيعمل علي التخلص منه. ويعامله بعنف. وربما يقتله.
**********
* وقد يكون سبب العنف. هو الغرور والاعتزاز بالقوة
وسوء استخدام هذه القوة. كمن يتعامل مع الآخرين بالعنف. لكي يظهر لهم أنه أقوي منهم. وأن بإمكانه أن يقهرهم متي أراد.
ويحدث هذا أحياناً عند بعض المراهقين. ومع الطغاة. وبعض زعماء العصابات في اخضاع أفراد العصابة لطاعة أوامرهم.
**********
* وقد يكون سبب العنف هو العداوة والحقد
فالذي يحقد علي آخرين. قد ينفّس عن حقده بالعنف. كمن يحقد علي آخر لأنه سيأخذ منه مركزه ويحل محله فيه. أو لأنه سيكون منافساً خطيراً له. فيستخدم معه العنف.
وقد تكون زوجة الأب عنيفة علي أبناء زوجها من امرأة أخري. حقداً عليهم حتي لا يأخذوا ميراث أبنائها هي أو محبة والدهم.
أو تكون الضرة عنيفة علي ضرتها. لمنافستها لها في محبة الزوج. وما أسهل أن تدفع الغيرة والحسد. إلي مثل هذا كله.
**********
* وقد يكون سبب العنف القيادة الخاطئة
التي تصور العنف كلون من البطولة. وأن العنفاء هم حراس المباديء والقيم. وأن اصلاح المجتمع أحياناً لا يتم إلا بالعنف!!
وهكذا يقنعون غيرهم بهذا الفكر. ويدخلون العنف إلي قلوبهم وعقولهم. حتي لو لم يكونوا عنفاء بطبيعتهم.
ومنهم من يقنع أحد أفراد العائلة. بأن عار الأسرة لا يُمحي إلا بالدم. وأن الانتقام من أعداء العائلة أمر واجب ولازم ومنهم من ينشر ذلك المبدأ "اضرب المربوط فيخاف السائب".
**********

 * أخيراً نذكر العنف الظاهري:
وهو ليس عنفاً حقيقياً. ومثاله الأب الذي يتظاهر بالغضب والرغبة في استخدام العنف. وذلك ليقود ابنه إلي الطاعة.
أو رئيس العمل الذي يهدد بعقوبة معينة. لا ينوي مطلقاً أن يفرضها. وذلك لتخويف مرؤوسيه حتي يسلكوا حسناً.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق