الالتزام..أفضل من
الإلزام
يعيش
مستريحاً ومطمئناً. من يتعامل مع إنسان ملتزم.
فالإنسان
الملتزم يلتزم بكل كلمة يقولها. ولكل وعد يعد به..
ويلتزم
بكل اتفاق يبرمه مع آخرين. وبكل نظام يخضع له. وبكل عهد بينه وبين الله. وكل وصية
من وصاياه.. إنه يلتزم بمباديء معينة. وبقيم وأخلاقيات. وقواعد روحية يتبعها.
إن
قال كلمة. يكون لها احترامها عند الناس ووزنها. بل تكون أفضل من أي اتفاق مكتوب
وموثّق. بل حتي إن لم يقل كلمة. وإنما هزّ رأسه بعلامة الموافقة. يدرك الحاضرون
تماماً أنه سوف يلتزم بهذه الموافقة. بدون إمضاء ودون شهود.
إنه
الالتزام بالكلمة والوعد...
*
* *
كذلك فهو يفي بكل
نذوره التي نذرها. لأنها اتفاقات مع الله
نقول
هذا. لأنه كثيراً ما يقع شخص في ضيقة أو إشكال. فيرفع قلبه إلي الله تبارك اسمه.
وينذر نذوراً: إن نجيتني من هذه الضيقة. وحللت لي هذا الإشكال. سأفعل وأفعل...
ولكنه بعد ذلك. إما أن ينسي هذا النذر. أو يماطل في الوفاء به. أو يحاول تغييره
إلي شيء آخر.. أو أنه يقول مع الشاعر:
كم
وعدتُ الله وعداً حانثاً :. ليتني من خوف ضعفي لم أعدْ
أما
الإنسان الملتزم. فإنه يلتزم بكل نذوره ووعوده
*
* *
الملتزم أيضاً يلتزم
بتعهد الوظيفة وشرف المهنة
إن
ضابط الحربية. وضابط الشرطة في حفل التخرج يتلو مع زملائه قَسَماً وتعهداً. يلتزم
به في حياته العسكرية. وكذلك كل سفير جديد. وكل وزير جديد قبل استلام عمله يتلو
أيضاً تعهداً وقسماً. وكل صاحب مهنة. عليه التزام من جهة شرف المهنة عليه الالتزام
به. منه ما يسمي سرّ المهنة. كالمحامي والمحاسب في الحفاظ علي أسرار موكله..
والطبيب كذلك.
إنه الالتزام بشرف
المهنة. والالتزام بالأمانة فيها
*
* *
هناك أيضاً
الالتزام بحفظ النظام العام
لعل
منه الالتزام بقواعد المرور. فإننا نري أن كثيراً من الحوادث يكون سببها عدم
الالتزام بالسرعة المقررة. أو في اتجاه المرور.
وفي
النظام العام الالتزام بها تفرضه المطارات من تفتيش الحقائب والأشخاص. وما تفرضه
الضرائب والجمارك من التزامات. وعدم التحايل للتخلص من استحقاقات الدولة مالياً
بأنواع من الحيل. كثيراً ما يتحايل بها الأشخاص للتهرب من التزاماتهم.
*
* *
ليتنا نضيف أيضاً
إلي التزاماتنا. الاهتمام بالبيئة والنظافة
فجمال
البيئة. والحفاظ علي نظافة شوارعنا. هو جزء هام من التزامنا. والإنسان الملتزم لا
يلقي ورقة في الطريق. ولا يلقي عقب سيجارة حيثما اتفق له. فتزدحم كثير من الطرقات
بأعقاب السجائر. بل في بعض الأحياء الشعبية يلقون بأكوام من القمامة في شوارعها
وتتجمع حولها الحشرات. غير مبالين ولا ملتزمين بنظافة الطرقات ولا بمنظرها. ولا
بقواعد الصحة فيها..!
ومن
عدم الالتزام أيضاً. عدم الاهتمام بنظافة نهر النيل وبعض الترع. سواء بما تلقيه
فيه بعض المصانع من بقاياها. أو استخدام بعض الأفراد له بطريقة سيئة..!
*
* *
الالتزام يشمل
أيضاً الالتزام براحة الآخرين وبصحتهم
فالتدخين
في الأماكن المغلقة كالحجرات أو وسائل المواصلات. فيه عدم التزام بصحة الآخرين. إذ
يلزمهم باستنشاق ما ينفثه من دخان. فيستنشقونه علي الرغم منهم..! ولذلك فإن كثيراً
من شركات الطيران منعت التدخين في طائراتها. التزاماً بالحفاظ علي صحة الركاب.
سواء كانت رحلات داخل البلاد أو عابرة للمحيطات.
كذلك
في الالتزام براحة الناس وصحتهم. كثير من البلاد الغربية قسمت أحياء مدنها إلي
مناطق Zones بحيث لا يمكن التصريح بمصانع
في أماكن السكني. إنما للمصانع أحياء أخري طبقاً لنظام ال Zoning وذلك لإراحة الناس من ضوضاء المصانع ودخانها.
نرجو
مراعاة مثل هذا في مناطق كحلوان بما فيها من مصانع ومحاجر تهدد الكثير من السكان
بأمراض الصدر.
*
* *
من المسائل الهامة
في موضوع الالتزام: الالتزام بالمواعيد
ويشمل
هذا الأمر: الالتزام بموعد بدء اللقاء أو الاجتماع. والالتزام بمدته ونهايته..
والإنسان الملتزم يمكنك أن تضبط ساعتك علي مجيئه. بينما غير الملتزم كثيراً ما
يتأخر عن موعده. ثم يقدم أعذاراً كثيرة لسبب تأخره.
إنسان
آخر يأتي لزيارة. ولا يلتزم بموعد تنتهي زيارته فيه. ويطول الوقت. وهو لا يبالي
بمواعيد مضيفه! جاء أشخاص من هذا النوع لزيارة مكرم عبيد. وطالت جلستهم. فقال لهم
"أهلاً بكم وسهلاً. تأتون أهلاً. ولا تخرجون سهلاً!".
*
* *
وفي
عدم الالتزام بالمواعيد. يوجد نوعان آخران:
منهما
الالتزام بموعد الكلمات في الاجتماعات. وفي التليفونات
فربما
في اجتماع عام. يكون مقرراً لكل متكلم عشر دقائق مثلاً:
فيقف
أحدهم ولا يلتزم بالزمن المحدد له. ويطيل الكلام حتي يزيد علي نصف الساعة! غير
مبالي بالوقت اللازم لمن سوف يتكلم بعده. ولا بالموعد المقرر لنهاية ذلك
الاجتماع..! مما يحدث ارتباكاً في الكلمات التالية. والمتكلمين. وفي قدرة الحاضرين
علي الاستماع.
مثال
ذلك أيضا من يطلب شخصاً في التليفون. دون أن يلتزم بفترة معينة للحديث. ويظل يتكلم
غير واضع في ذهنه وقت الذي يتحدث إليه. وهل هو متفرغ له أم غير متفرغ.
*
* *
الالتزام يشمل كذلك
بعض العلاقات والواجبات الاجتماعية
مادمنا
نعيش في مجتمع. فنحن ملتزمون بواجبات نحو الآخرين. لا نستطيع أن نقصر فيها. وإلا
فإننا بذلك نسيء إلي مشاعر الناس.
نحن
ملتزمون بتعزية الآخرين في حالات الوفاة. وبتهنئتهم في حالات الفرح والنجاح
والترقية. كذلك ملتزمون بزيارة المرضي والاطمئنان علي صحتهم. وبمواساة كل من هو في
كارثة.
إن
قصرنا في هذا الالتزام. تسوء علاقتنا بغيرنا. ونكون موضعاً للومهم. واتهامنا بعدم
المحبة. وعدم القيام بالواجب.
*
* *
من أهم عناصر
الالتزام أيضاً : الالتزام بالأمانة في العمل وفي القيام بكل مسئولية تعهد إلينا
فالإنسان الملتزم. ليس فقط يؤدي واجبه
ويقوم بعمله. وإنما يفعل ذلك بنوعية ممتازة في الأداء.
لذلك
فإن النجاح يحالفه باستمرار. بل هو يشعر أن عمله وحسن أدائه فيه. إنما هو جزء من
ضميره. ومن شرفه. ومن احترامه لنفسه. وهو يهتم بكل هذا ويحرص عليه. شاعراً أن أي
تقصير في هذا الالتزام. إنما يسبب حرجاً له. ولكل المتعاونين والمتضامنين معه.
فيتجنب كل ذلك في وفائه بالتزامه.
*
* *
الملتزم يكون
باستمرار موضع ثقة الناس واحترامهم
إنه
موضع تقدير من الكل. يدركون أنه يمكنهم الاعتماد عليه. وضمان كل مسئولية تقع بين
يديه. ويشعرون بالارتياح في التعامل معه. وهو بهذا يكون باستمرار قدوة لغيره.
ودرساً يتعلمون منه الجدية في الحياة. واحترام العمل والمسئولية.
أما
غير الملتزم فهو مثل سييء. قد يقلده الضعفاء في عدم التزامه. فترتبك أمورهم مثلما
ترتبك أموره أيضاً..!
*
* *
إن عدم الالتزام
فيه لون من اللامبالاة ومن التسيب
وفيه
أيضاً رغبة التحلل من كل رباط. ومن كل شرط وكل اتفاق. بطريقة لا تدعو إلي
الاحترام. وهو يدل علي عدم الشعور بالمسئولية. وهو أيضا دليل علي الضعف وعدم
الجدية.
وغير
الملتزم يسلك حسب هواه. ولا يبالي بأي أمر أو نظام. ويعتبر النظام والمسئولية
قيداً يسرّه أن ينفك منه.
ليس
هذا في محيط عمله فقط. إنما حتي في حياته العائلية! فهو غير ملتزم بواجباته حيال
كل أفراد أسرته..!
*
* *
وغير الملتزم يحاول
أن يغطي عدم التزامه بالأعذار!
وما
أكثر أعذاره وحججه وأسانيده! وكلها واهية غير مقبولة. يريد بها أن يفلت من
المسئولية. وقد يحاول أن يسند التقصير إلي غيره ظلماً. لكي يتبرأ هو..!
وما
أكثر ما يعتذر بالعوائق والموانع. أو بأن الأمر قد خرج عن نطاق إرادته وقدرته. أو
أن الظروف لم تسمح. أو أنه قد نسي. أو لم يجد الوقت. ولم يجد الإمكانات!!
وغالباً
ما يكون السبب الحقيقي أنه لم يتعود أن يحيا حياة الالتزام. وأن يحترم كلمته
وعمله..!
*
* *
أما
الملتزم. فإنه يصمد أمام العوائق. ولا يعتذر بها. بل يبذل قصاري جهده للانتصار علي
كل عائق يصادفه.
غير
الملتزم يجعل العوائق حاجزاً بينه وبين التنفيذ.
أما
الملتزم فيجعل العزيمة القوية حاجزاً تختفي وراءه العوائق. إنه ينتصر علي العقبات
أينما وجدت. ولو أدّي الأمر أن يضغط علي نفسه ويحتمل. لكي ينفذ ما التزم به.
لذلك
فالناس يثقون بالملتزم ويعتمدون عليه. لأنه دائما يتخطي العقبات. ويجد له مخرجاً
منها لكي يقوم بواجبه.
*
* *
غير
الملتزم قد يكسر بعض الأنظمة والقواعد. شاعراً بأن هذه هي حريته الخاصة!! غير مدرك
المعني الحقيقي للحرية!
وإذ
يتحلل من الالتزام باسم الحرية. يضطر المجتمع أن يلزمه بالقوة علي إطاعة النظام.
وهكذا يسلك لا
بالالتزام وإنما بالإلزام
تلزمه
القوانين والعقوبة. ويحتاج من المجتمع إلي مراقبة ومحاسبة ومتابعة وتفتيش. فإن
أصرّ علي عدم التزامه. يتعرض إلي الجزاء. فيضطر أن يلتزم علي الرغم منه. وتصبح طاعته
للنظام. خضوعاً منه للإلزام. وليس حباً للالتزام!
*
* *
الالتزام
يشمل أيضا ما يلتزم به الإنسان تجاه نفسه من القيم والمباديء والفضائل. في حياته
الخاصة..
هنا
لا يلزمه القانون ولا المجتمع. ولا التقاليد المرعية. إنما هو يلزم نفسه علي اتباع
فضائل معينة. يدرّب ذاته عليها. ويستخدم أسلوب ضبط النفس للوصول إلي ما يريده من
أوضاع مثالية علي قدر ما يستطيع. وإن وضع لنفسه
تدريباً
معيناً. فإنه يلتزم به. ولا يسمح لنفسه أن تسلك حسب هواها بغير ضابط. بل يحرص علي
أن يلتزم بكل ما وضعه لنفسه من قواعد أخلاقية. ولا مانع من أن يفرض علي ذاته
عقوبات إذا أخطأت. لكيما يقوم طريقها. ولا ينتظر أن يحكم عليه المجتمع في أخطائه.
بل كما قال أحد الآباء :
احكم
يا أخي علي نفسك. قبل أن يحكموا عليك
إن
الملتزم بالفضيلة. الذي يؤدب نفسه إذا انحرفت. هذا لا يحتاج إلي أن يأتيه التأديب
من الخارج.
*
* *
أحب أخيراً أن أقول
إن مبدأ الالتزام ليس هو فقط للأفراد
إنما
هو أيضا للهيئات وللجمعيات وللدول. وللمجتمع الدولي أيضاً..
إن
كل هيئة لها قانون أو لائحة لتحديد اختصاصاتها وتنظيم سير عملها. وعليها أن تلتزم
بذلك. وكل جمعية خيرية عليها واجبات تقدمها للجمهور. ومن أجل ذلك قد أنشئت. وعليها
أن تقوم بالخدمات التي هي ملتزمة بها. وكل مدرسة وكل كلية وكل جامعة. عليها التزام
أن تنهض بالمستوي العلمي في بلدها. كل منها حسب درجته.
بل
أيضا كل فريق رياضي. هو ملتزم أمام جمهوره بتقديم أعلي مستوي ممكن لأدائه. وأعضاؤه
ملتزمون بسمعة الفريق وسمعة البلد.
*
* *
الدولة أيضا مسئولة
عن راحة أبنائها. وملتزمة بذلك
والمجتمع
الدولي ملتزم بإقامة الشرعية الدولية بين سائر الدول والشعوب. بكل عدل وبغير تحيز.
وملتزم بمساعدة الشعوب المحتاجة ولنكتف بهذا الآن. التزاماً بمساحة المقال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق