الأربعاء، 9 مايو 2012

الصوم - لمعلم الاجيال قداسة البابا شنودة الثالث

الصــوم

عموميته :

 لا يقتصر الصوم علي كونه جزءاً أساسيا من العبادة في اليهودية والمسيحية.. بل إنه معروف في كل ديانة. حتي في الديانات الوثنية والبدائية. والتي لا تؤمن بالوحي.. مما يدل علي أنه بلا شك كان معروفاً منذ القدم قبل أن يفترق الناس.
والذي يقرأ عن البوذية والبراهمية والكنفوشيوسية. وعن اليوجا أيضا. يري أمثلة قوية عن الصوم. وعن قهر الجسد لكي تأخذ الروح مجالها. والصوم عندهم تدريب للجسد وللروح أيضا.
وفي حياة المهاتما غاندي الزعيم الروحي الشهير للهند، نري الصوم من أبرز الممارسات الواضحة في حياته. وكثيرا ما كان يواجه به المشاكل وقفت ضده في حياته..
وبالصوم اكتشف اليوجا بعض طاقات الروح التي كانت محتجبة وراء الاهتمام بالجسد. وقد عاقها الجسد عن الظهور. ولم يكتشفوها إلا بالصوم.
ويري الهندوس أن غاية ما يصلون إليه من جهة مستقبلهم الأبدي. هو حالة "النرفانا" أي انطلاق الروح من الجسد للاتحاد بالملأ الأعلي وهذه لا يمكن أن يدركوها إلا بالنسك الشديد والزهد والصوم..
ويرون أن الروح تنطلق من رغبات الجسد ومن سيطرته. بتدريبات شديدة من الصوم. لكي تصبح روحا قوية تصل إلي بعض طاقاتها الطبيعية التي تنمو وتصل الي مستوي معجزي أو فائق الطبيعة.
وكثير من الناس لا يكتفون بالأصوام العامة المقررة عليهم. بل أنهم يفرضون علي أنفسهم أصواما خاصة في مناسبات معينة في حياتهم. وأمام مشكلات خاصة يرون أنها لا تحل إلا بالصوم.

في الصوم يتذلل الانسان أمام الله. ويطلب رحمته وتدخله:

وذلك حينما يري الأبواب مغلقة أمامه ويري مفتاحها هو الصوم. بالصوم يصرخ القلب المنسحق إلي الله. فيسمع الله ويستجيب.. فترة الصوم هي أيام يقترب فيها الناس إلي الله. ويشعرون بقرب الله منهم. يستمع إلي حنينهم وأنينهم. ويعمل.. إن صراخ القلب إلي الله. يمكن أن يصدر في أي وقت. ولكنه في الصوم يكون أعمق وأصدق وأقوي.
لأن الناس حينما يكونون منصرفين الي رغباتهم وشهواتهم. ومنشغلين بالجسد والمادة يشعرون بأنهم بعيدون عن الله. وليست لهم دالة يطلبون بها شيئا. ولكنهم في الصوم يشعرون بالقربي، فيطلبون.
-------------------------------------- 

فوائد الصوم

الفوائد الروحية للصوم كثيرة جداً:

1- فهو فترة مناسبة للتوبة. ولمراجعة النفس فيما تفعله. وتقرير البعد عن كل ما يغضب الله. لكي يكون الصوم مقبولاً عنده. فهي فترة مصالحة مع الله يبدأها الإنسان بصومه. وحبذا لو استمر فيها دون عودة إلي الأخطاء.
2- وهو فترة لمزيد من الصلوات والتسابيح. سواء في ذلك الصلاة الخاصة. أو الصلوات العامة في بيوت الله.
3- وهو دعوة عامة لضبط النفس ليس من جهة الطعام فقط. إنما ضبط اللسان والحواس. وما يدور في القلب والفكر من مشاعر ونيات وأفكار. والتدرب علي رفض كل ما هو خاطئ.
4- وفي الصوم يشعر الإنسان بضعف جسده. فتبعد عنه كل خواطر العظمة والكبرياء..
5- وإذ يشعر الإنسان بالجوع. فإنه يحن ويشفق علي الجياع والفقراء ويعطيهم.
وعموما هو فترة مثالية للتدرب علي حياة البر والفضيلة.

روحانية الصوم:

والصوم ليس مجرد فضيلة للجسد. بعيدا عن الروح. حيث كل عمل لا تشترك فيه الروح. لا يعتبر فضيلة علي الإطلاق.
فما هو عمل الجسد في الصوم؟ وما هو عمل الروح؟
عمل الجسد في الصوم. هو تمهيد لعمل الروح أو هو تعبير عن مشاعر الروح.. فالروح تسمو فوق مستوي المادة والطعام. بل فوق مستوي الجسد. فتقود الجسد معها في نصرتها وفي رغباتها الروحية ويعبر الجسد عن هذا بممارسته للصوم.
فإن قصرنا تعريفنا للصوم علي أنه إذلال أو إخضاع للجسد، أو مجرد منع الجسد عما يشتهيه.. نكون قد شرحنا من الصوم سلبياته. دون أن نذكر عمله الايجابي الروحي. فما هو؟

الصوم ليس مجرد جوع للجسد. بل هو غذاء للروح:

فليس الصوم تعذيباً للجسد. إنما هو تسامي الجسد. لكي يصل إلي المستوي الذي يتعاون فيه مع الروح. فليس هو إرهاق للجسد. بل إعداده في حالة روحية. يشترك فيها مع الروح في الصلاة والسجود والركوع. وفي عدم الانشغال بالمادة مما يعطل الروح عن عملها.

الصوم فترة ترتفع فيها الروح. وتجذب الجسد معها:

تخلصه فيها من أحماله وأثقاله. وتجذبه معها إلي فوق. بعيدا عن المادة بشتي أشكالها. وبعيداً عن الانشغال بالعالم وشهواته. لكي يعمل معها عمل الرب بلا عائق. والجسد في روحانيته يكون سعيداً بهذا.
+ الصوم هو عمل روح زاهدة. تُشرِك الجسد معها في الزهد.
فلا يكون الصوم هو الجسد الجائع. بل الجسد الزاهد.. وحينئذ لا يمتنع الجسد عن الطعام بينما يشتهيه. وإنما هو قد وصل إلي الوضع الذي لا يشتهي فيه هذا الطعام. لذلك يمتنع عنه.
والصوم هو فترة روحية يقضيها الجسد والروح معاً في عمل روحي. يشترك فيه الجسد مع الروح في عمل واحد هو عمل الروح.. يشترك معها في الصلاة والتسبيح. وفي التأمل والعشرة الإلهية.
فيصلي: ليس فقط بجسد صائم. إنما أيضا بنفس صائمة..عن الأرضيات الفانيات. وبفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات الجسدية. وبروح صائمة عن محبة هذا العالم الزائل وكل ما فيه من مغريات.. نعم. نفس ليس في داخلها إلا شهوة الخير والبر. وشهوة الوجود مع الله. تتمتع بنوره. وتتغذي بعشرته.
+ من أجل هذا كله. يفرح الأبرار بالصوم..
يفرح القلب النقي بهذه الفترة التي يقترب فيها إلي الله. ويقترب فيها أيضا إلي الناس بكافة أعمال البر والمعاملة الحسنة.
يفرح بفترات الصوم. أكثر مما يفرح بالأعياد التي يأكل فيها ويشرب.. فهو لا يصوم. وفي أثناء الصوم يشتهي متي يأتي وقت الإفطار. وإنما في الإفطار يشتهي الوقت الذي يعود فيه الصوم..
والصائم الذي ساعده الصوم علي اقتناء الكثير من الفضائل. يفرح بصومه وبالفضائل التي اقتناها فيه. ويحرص عليها ويجعلها لنفسه منهج حياة. فلا يتخلي مطلقا عن فضائل الصوم. حينما يأتي العيد والإفطار.

أما فوائد الصوم للجسد فهي :

1- فترة راحة لبعض أجهزة الجسد:

تستريح فيه كل أجهزة الجسم الخاصة بالهضم والتمثيل الغذائي. كالمعدة والأمعاء والكبد والمرارة. هذه التي يرهقها الأكل الكثير. والطعام المعقد في تركيبه. وبخاصة الأكل والشرب المتواصلين واللذين في غير مواعيد منتظمة. كمن يأكل ويشرب بين الوجبات. وكما يحدث في الضيافات. وفي تناول المسليات والمشهيات وما أشبه. فترتبك أجهزته. إذ يدخل فيها طعام جديد يحتاج إلي هضم. علي طعام نصف مهضوم. علي طعام أوشك أن ينتهي هضمه..!

2- يتخلص الصائم من البدانة والترهل:

والسمنة التي يحمل فيها الإنسان كمية من الشحوم والدهون ترهقه. وتتعب قلبه الذي يضطر أيضا أن يوصل الدم إلي مساحات إضافية. وإلي كتل من الأنسجة فوق المعدل الذي أراد له الله أن يعوله.. بالإضافة إلي ما تسببه السمنة من أمراض عديدة للجسد.

ملاحظة هامة:

الذي يتعب الجسد. ليس هو الصوم. بل الأكل..
يتعب الجسد كثرة الأكل. والتخمة. وعدم الضوابط في الطعام. وكذلك كثرة الأخلاط غير المتجانسة من الأطعمة. ودخول أكل جديد علي أكل لم يهضم داخل الجسم. كما يتعب الجسد أيضا الطاقات الحرارية الزائدة التي تأتي من أغذية فوق حاجة الإنسان.. وما أكثر الأمراض التي يسببها الأكل..
بل إن الصوم يجعل الجسد خفيفاً ونشيطاً.. فهو يعطي قوة للقلب. ونشاطا في الحركة. وصفاء للذهن. وقدرة أكثر علي التفكير.. ويخلص الجسد من المرض والماء الزائدين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق